ⵣ الأمازيغية في قلب التعليم العالي: واقع أم تحدٍّ؟ ⵣ
منذ إدراج شعبة الأمازيغية في المدارس العليا للتربية والتكوين، بدا واضحًا أن هذا التخصص لا يعكس بالضرورة طموح الطلبة الذين التحقوا به من أجل التخصص الفعلي في تدريس اللغة الأمازيغية، بل يندرج ضمن سياسة تكوين مزدوج تؤهلهم ليكونوا أساتذة التعليم الابتدائي بوجه عام. هذه الإشكالية تبرز من خلال طبيعة التكوين الذي يخضع له الطلبة، حيث نجد أن اللغة الأمازيغية لا تحظى سوى بحيز ضيق داخل البرامج الدراسية، إذ يتم تخصيص وحدتين فقط لها في كل دورة تكوينية، بينما يتم التركيز على مواد أخرى مثل الرياضيات، الفرنسية، العربية، علوم الحياة والأرض، وحتى الفيزياء. هذا التكوين لا يساعد على بناء كفاءة متخصصة في تدريس الأمازيغية، بل يوجه الطلبة نحو أن يكونوا أساتذة مزدوجين، وهو ما يتجلى بوضوح في مباراة التوظيف التي تجرى بعد التخرج، حيث تشمل اختبارات في مواد متعددة لا ترتبط بالضرورة بالأمازيغية.
إلى جانب ذلك، يواجه الطلبة إشكالات أخرى تتعلق بجودة التأطير، حيث إن أغلب الأساتذة الذين يُشرفون على تكوينهم ليسوا متخصصين أكاديميًا في اللغة الأمازيغية، بل يتم تكليف أساتذة من تخصصات أخرى، بعضهم من سلك التعليم الابتدائي، بل إن بعض هؤلاء المؤطرين لا يحملون سوى إجازة في الأمازيغية، وليسوا من حملة الشهادات العليا (ماستر أو دكتوراه) التي تؤهلهم للتدريس في مؤسسات التعليم العالي. وهذا يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى جودة التكوين وقدرته على بناء أساتذة أكفاء.
أما في ما يتعلق بالأعمال التربوية (التداريب أو الانغماس التربوي في المؤسسات التعليمية)، فهناك معضلة أخرى تتجلى في غياب تدريس اللغة الأمازيغية في العديد من المدارس العمومية، ما يجعل فرص الاستفادة من هذا التدريب في سياقه الفعلي محدودة جدًا. وبدل أن يتمكّن الطالب من تطبيق ما تلقاه نظريًا في الواقع، يجد نفسه مضطرًا للتأقلم مع سياقات لا تُدرّس فيها الأمازيغية أصلاً، وهو ما يُفرغ هذا الجانب التطبيقي من معناه ويُفقده وظيفته الأساسية.
المشكل لا يقتصر فقط على التكوين، بل يمتد إلى ما بعد التخرج، حيث يجد الطلبة أنفسهم أمام تحديات مرتبطة بالاندماج في سوق الشغل. فعدد المناصب التي تفتحها الوزارة سنويًا لتوظيف أساتذة الأمازيغية يظل محدودًا جدًا مقارنة بعدد الطلبة الذين يتم تكوينهم في هذه المدارس. على سبيل المثال، في المدرسة العليا للتربية والتكوين بوجدة وحدها، تم استقطاب ما يقارب 1000 طالب وطالبة، بينما لا يتجاوز عدد المناصب المتاحة سنويًا 600 منصب على الصعيد الوطني. هذا التفاوت الكبير بين عدد المتخرجين وفرص التوظيف المتاحة يثير تساؤلات حول مستقبل هؤلاء الطلبة، وما إذا كانوا سيتمكنون من الاندماج في مهنة التدريس أو سينضمون إلى صفوف العاطلين عن العمل.
علاوة على ذلك، فإن الإجازة التي يحصل عليها المتخرجون لا تمنحهم سوى فرصة واحدة تقريبًا، وهي العمل في مجال التعليم. أما بالنسبة للراغبين في متابعة دراساتهم العليا، فإن الخيارات تظل محدودة، حيث إن عدد التخصصات المتاحة في الماستر والدكتوراه المتعلقة بالأمازيغية يبقى قليلًا جدًا، ما يجعل آفاق البحث الأكاديمي في هذا المجال ضيقة وغير محفزة.
وكل هذه الإشكالات لا تنسجم بأي شكل من الأشكال مع ما جاءت به النصوص المؤطرة لتنظيم تدريس اللغة الأمازيغية، بدءاً من المذكرات الوزارية، والميثاق الوطني للتربية والتكوين، والرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، إلى القوانين الرسمية كالقانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وقانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وكلها تنص بوضوح على إدماج الأمازيغية في مختلف مستويات التعليم. هذا دون أن نغفل ما تؤكد عليه الخطب الملكية السامية من ضرورة النهوض بالأمازيغية كلغة وثقافة وهوية مشتركة لجميع المغاربة.
كل هذه العوامل تدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان هذا الوضع نتيجة تخطيط مقصود يرمي إلى إبقاء الأمازيغية في وضعية هامشية داخل المنظومة التعليمية، أم أنه مجرد إشكاليات بنيوية لم يتم العمل على حلها بعد. في كلتا الحالتين، يظل من الضروري إعادة النظر في السياسة المتبعة في تكوين أساتذة الأمازيغية، سواء من حيث تحسين جودة التكوين، أو من حيث زيادة عدد المناصب المخصصة لهذا التخصص، وضمان توفير بيئة تكوينية وتطبيقية ملائمة.
بصفتي طالبًا في هذا التخصص، فإن هذه الإشكالات ليست مجرد معطيات نظرية، بل هي واقع أعيشه وألمسه يوميًا. ومن هذا المنطلق، أرى أن إصلاح وضعية تدريس الأمازيغية يجب أن ينطلق من الاعتراف بكونها ليست مجرد لغة تُدرّس، بل مكون أساسي من الهوية الثقافية للمغرب، ما يستدعي توفير تكوين حقيقي يليق بها، وتخطيط تربوي وطني جاد يضمن مستقبل خريجي هذا المسلك، حتى لا يبقى تدريس الأمازيغية حبيس الشعارات، بل يتحول إلى مشروع تربوي متكامل وفعّال.
ⴼⵍ ⵜⴰⵏⵏⴰⵢⵜ ⵏⵏⴽ/ⵏⵏⵎ ⴷⵖⵉ
أترك تعليقك هنا