ككل سنة، ومع بداية كل موسم دراسي جديد، نعود لنفس النقاش، نعيد نفس الأسئلة، ونواجه نفس الصمت. أصبح الحديث عن تدريس الأمازيغية طقسا رتيبا لا يثير إلا الحزن، لأن تكراره لا يعني التقدم، بل يفضح الركود. ومع ذلك، لا يمكننا أن نصمت. فالمسؤولية الأخلاقية تفرض علينا أن نكتب أن نصرخ، أن نذكر، حتى لو كان الصدى الوحيد هو صدى أصواتنا.
إلى متى ستستمر هذه العشوائية المهينة؟ أكثر من اثنين وعشرين سنة مرت منذ إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية، ومع ذلك لا تزال تعامل كأنها مادة دخيلة، تقحم في الجداول بارتجال، وتهمش في التخطيط، وتقصى من المشاريع الكبرى التي تتغنى بالريادة والابتكار. لا أحد يجيب، لا أحد يشرح، لا أحد يعتذر. فقط صمت إداري، وتواطؤ مؤسساتي، وتكرار ممل لسياسات "البريكولاج" التي تفضح غياب الإرادة.
نعم، هناك اجتهادات فردية، لكنها تظل محصورة في مؤسسات دون أخرى، وتخضع لمزاج المدير أو حماس الأستاذ، لا لسياسة تعليمية عادلة. الأمازيغية لا تدرس في ظل بنية تربوية متكاملة، بل تعامل كعبء، كإضافة ثقيلة، كشيء يجب التخلص منه بسرعة. كيف يمكن أن نفهم أن مواد مثل العربية والفرنسية والرياضيات تُدرّس باعتبارها ركائز، بينما تقصى الأمازيغية من مشروع الريادة؟ هل الريادة تعني الإقصاء؟ هل التميز يعني التنكر للهوية؟
إذا كانت وزارة التعليم غير مقتنعة بالدستور، فعليها أن تتحلى بالحد الأدنى من الشجاعة وتقول ذلك صراحة. أما أن تستمر في إصدار مذكرات لا تطبق، وتتباهى بمنهاج لا علاقة له بالواقع، فذلك ضرب من العبث المؤسساتي. ما يكتب في الصفحات الرسمية عن الأمازيغية لا يجد له صدى في المؤسسات التعليمية، حيث تغيب الوسائل، وتهان الكرامة التربوية، ويترك الأستاذ وحيدا في مواجهة البنية المهترئة.
وحده أستاذ الأمازيغية يعامل ككائن زائد عن الحاجة. يتنقل بين القاعات كمتطفل، يمنع من لمس السبورة أو الكتابة عليها، ويطلب منه ألا يقترب من خزانة زميله. هذا ليس مجرد سلوك فردي، بل انعكاس لبنية رمزية تكرس التراتبية داخل المدرسة، وتفرغ الخطاب الرسمي من مضمونه. الأستاذ لا يطلب امتيازات، بل يطالب بالحد الأدنى من الاحترام، من الكرامة، من الاعتراف.
أغلب أساتذة الأمازيغية لم يتوقفوا عن المطالبة، لكنهم سئموا من ترديد نفس الكلام. لم يجدوا حلولا، بل وجدوا جدارا من الصمت والتجاهل. التنسيق مع باقي الأساتذة، والبحث عن مكان للمادة بين المكونات، أصبح عملا مذلا لا يليق بلغة تعد من ركائز الهوية الوطنية. أصبح الأستاذ يعامل كمتسول تربوي، يبحث عن فتات الحصص، ويطلب منه أن يبتسم رغم الإهانة.
ما نص عليه المنهاج وما جاء في الصفحات المخصصة لمادة الأمازيغية لا علاقة له بالواقع. لا الوسائل متوفرة، لا الزمن المدرسي مناسب، لا التنسيق محترم، لا الإدارة مهتمة. المذكرات الوزارية في واد، والواقع في واد آخر. وبين الواديين، يترك الأستاذ وحيدا، يهان، يتجاهل، ويطلب منه أن يواصل العمل وكأن شيئا لم يكن.
هذا ليس مجرد خلل إداري، بل مظلومية ممنهجة، تمارس بصمت، وتغلف بخطاب رسمي مزيف. الأمازيغية لا تقصى من الجداول فقط بل تقصى من الاعتراف، من الاحترام، من الكرامة. إن اختزال أزمة تدريس الأمازيغية في العراقيل التقنية هو تضليل مريح، لأن المشكل الحقيقي بنيوي، متجذر في غياب الإرادة التربوية والاعتراف الرمزي. ولو كانت العقبة تقنية لهانت، لكن ما نواجهه هو عشوائية ممنهجة لا تعالج إلا بمراجعة جذرية وبقرار واضح وملزم يخضع كل الأطراف لمبدأ العدالة التعليمية. فاستمرار هذا الوضع لا يفضح فقط خللا إداريا، بل يكشف أزمة أخلاقية تمس جوهر الالتزام بما يكتب ويعلن.

ⴼⵍ ⵜⴰⵏⵏⴰⵢⵜ ⵏⵏⴽ/ⵏⵏⵎ ⴷⵖⵉ
أترك تعليقك هنا